التأهب لمواجهة تحدي الأمراض النادرة
أصبحت بعض الأمراض شائعة جداً إلى حد أنها باتت مألوفة ومعروفة للقاصي والداني، ومنها بالطبع أمراض القلب والسرطان والسكري والخرف، وهذا على سبيل المثال لا الحصر. وإذا لم تكن أنت نفسك واحداً من الملايين الذين يعانون منها في جميع أنحاء العالم، فعلى الأرجح أن لديك صديق أو قريب يُعاني من أي من تلك الأمراض الشائعة جداً في زماننا.
غير أن هناك العديد من الأمراض الأخرى التي قد لا يلحظها الكثيرون نظراً لندرتها النسبية على مستوى العالم، رغم أنها خبيثة ومهلكة بنفس القدر. وعلى الرغم من تباين تعريف الأمراض النادرة حول العالم، إلا أنه غالباً ما يتم تصنيف المرض على أنه ‘نادر’ إذا كان يصيب أقل من 1 من كل 2000 شخص، أو أقل من 0.05% من فئة سكانية معينة.
وغني عن القول أن عدم انتشار هذه الأمراض الناردة أو قلة شيوعها لا يعني بالضرورة أنها غير مضرة، فالصحيح هو أن العديد من الأمراض النادرة إما أنها تعيق الحياة أو تؤدي في حالات كثيرة إلى الوفاة المبكرة. ومن المؤسف أيضاً أن ثلث الأطفال الذين يولدون بأمراض نادرة أو يصابون بها قد يموتون قبل بلوغهم سن الخامسة. صحيح أن الإصابة بالأمراض الناردة قد تكون غير شائعة على مستوى الأفراد، لكنها تفرض في مجملها عبئاً صحياً هائلاً على المجتمعات في جميع أنحاء العالم.
ولنا أن نعرف مثلاً أن لدينا ما لا يقل عن 400 مليون حالة مصابة بأمراض نادرة حول العالم، مع احتمال وجود العديد من الحالات الإضافية التي لم يتم اكتشافها حتى الآن في البلدان الفقيرة.[1] ونظراً لاتساع رقعة الأمراض النادرة – حوالي 7000 مرض حسب بعض التقديرات- فكثيراً ما يُخطئ اختصاصيو الرعاية الصحية في تفسير الأعراض بصورة تؤدي غالباً إلى عدم توفير العلاج المناسب للمرضى.
إذن، ماذا نعني في الواقع عندما نصف حالة بأنها ‘مرض نادر’؟ الجواب أبعد ما يكون عن الدقة.
الأمراض النادرة ليست مشكلة واحدة، بل مجموعة من المشكلات
يمكن أن تشمل الأمراض النادرة بعض حالات التمثيل الغذائي، بالإضافة إلى أنواع معينة من السرطان وأمراض المناعة الذاتية. كما تندرج العديد من الأمراض الوراثية المزمنة أيضاً تحت فئة ‘الأمراض النادرة’، والعديد منها يستعصي على الشفاء كونه يصيب الأشخاص في مرحلة الطفولة، ومن أمثلتها التليف الكيسي، والخلايا المنجلية، والحثل العضلي، والسنسنة المشقوقة، والهيموفيليا.
ولعل ما يزيد المشهد تعقيداً والتباساً هو أن ‘الأمراض النادرة’ ليس لها شكل موحد؛ إذا يغطي المصطلح في الواقع مجموعة متنوعة من الأمراض، وغالباً ما تكون متناقضة في طبيعتها: [2]
- § حوالي 72% من مجموع الأمراض النادرة هي أمراض جينية المنشأ. فالحثل العضلي الدوشيني، على سبيل المثال، الذي يتسبب في تنكس تدريجي للعضلات، ينشأ من طفرة جينية للديستروفين في 1 من كل 3500 فتى في جميع أنحاء العالم. وفي المقابل، تحدث أمراض نادرة أخرى بسبب العدوى، ومن أمثلتها متلازمة غيلان باريه، وهي حالة عصبية تسبب الضعف والألم، وتصيب 1-2 من كل 100,000 شخص.
- حوالي 80% من الأمراض النادرة هي أمراض موروثة. فمثلاً، يؤثر مرض “ترنح فريدريك” على حوالي 1 من كل 30,000 شخص من العرق القوقازي، مما يتسبب في تباطؤ الكلام وصعوبات في المشي بل وفي أحيان كثيرة ينتهي المطاف بمعظم المرضى على كرسي متحرك بحلول منتصف العمر. وثمة أمراض نادرة أخرى ناتجة عن التغيرات الجينية العفوية، مثل خلل التنسج الليفي العضلي الذي يسبب تحجر العضلات والأنسجة الضامة لدى حوالي 1 من كل مليون شخص.
- تؤثر بعض الأمراض النادرة على أعضاء معينة في الجسم، في حين أن البعض الآخر منها له طبيعة عصبية. على سبيل المثال، يُصنف الورم المخاطي الصفاقي الكاذب على أنه مرض نادر (حالتان لكل مليون شخص)؛ وكذلك مرض تاي ساكس، الذي يؤثر على 1 من كل 320,000 شخص، ويتسبب في تدهور عقلي مبكر.
- تظهر بعض الأمراض النادرة منذ الولادة، مثل ضمور العضلات الشوكي (الذي يصيب 1 من كل 100,000 شخص)، وهو النوع الأول الذي يسبب الوفاة في مرحلة الطفولة. فيما تظهر الأعراض الأخرى فقط في وقت لاحق من العمر، وتشمل بيلة الكابتون (التي تؤثر على الغضروف وصمامات القلب والكلى، وتسبب صعوبات في التنفس)، وتصيب 1 من كل 250,000 شخص حول العالم.
وهذه المجموعة المعقدة من الأسباب والأعراض والتنبؤات هي التي توضح حجم التحدي المتمثل في مكافحة الأمراض النادرة.
لماذا لا يحظى مرضى الأمراض النادرة باهتمام كافٍ؟
قد لا يروق للبعض فكرة أن بذل الجهود في عالمنا الحديث غالباً ما يرتبط بالدوافع المحفزة، سواء المالية أو غير ذلك، لكن يبقى في النهاية أن هذه هي الطريقة التي تطورت بها أنظمتنا ومجتمعاتنا. وبذلك يصبح مفهوم القيمة هو الدافع الأساسي وراء تقدمنا الجماعي.
ومن ثم فإن صِغر حجم هذه الفئة من المرضى إحصائياً هو ما يقوض شغف الباحثين وميلهم إلى تطوير أدوية جديدة لكل مرض ‘نادر’ على حدة. والنتيجة المؤسفة هي أن العلاجات الفعالة لا تتوفر سوى لأقل من 5% من مجموع الأمراض النادرة.[3]
ليس هذا وحسب، فعادة ما يُضطر مريض الأمراض النادرة إلى الانتظار نحو أربع سنوات قبل الحصول على تشخيص رسمي، وذلك بعد أن يخضع للفحص على يد العديد من الأطباء ويحصل على ثلاثة تشخيصات خاطئة في المتوسط في غضون تلك الفترة.[4] وحتى بعد التشخيص، لا يتمكن ثلث المرضى على مستوى العالم من الوصول إلى العلاج الذي يحتاجون إليه. وحتى في حالة وجود علاجات لأمراض معينة، فإنها تكلف في المتوسط سبع مرات أكثر من علاجات الأمراض الشائعة.
وفي أكثر السيناريوهات تطرفاً، تندرج الأمراض النادرة تحت فئة ‘الأمراض اليتيمة’، وبعض هذه الحالات نادرة إلى حد لا يصدق (أقل من 200,000 حالة في الولايات المتحدة)، بحيث أن شركات الأدوية لا تملك سوى أن تتجاهلها بشكل كامل تقريباً. ومن أمثلتها مرض فابري، الذي يعيق إنزيمات الجسم عن معالجة الدهون بشكل كاف، مما يؤدي بالنتيجة إلى نوبات قلبية وسكتات دماغية؛ وكذلك داء المشوكات السنخي، الناجم عن نمو يرقات الدودة الشريطية الشبيهة بأورام الكبد.
ولأن معظم الأمراض اليتيمة الأخرى تتركز غالباً في العالم النامي، فعادةً ما ينتهي بها الأمر إلى التجاهل والإهمال هي الأخرى. لكننا مع ذلك ما زالنا نراهن على أن بإمكاننا امتلاك أسلحة أكثر فاعلية في ترساناتنا الدوائية ضد السل والكوليرا والتيفوئيد والملاريا، لو أنها كانت أكثر انتشارا في الأسواق الاقتصادية المتقدمة في العالم.
ولا شك في أن هذه الحقائق الواقعية هي أصدق تعبير عن حجم الظلم الجغرافي الواقع على العالم النامي فيما يخص معضلة الأمراض النادرة.
الأمراض النادرة: بلاء على العالم النامي
تشهد دول شمال إفريقيا، على وجه الخصوص، ما تصفه الباحثة سونيا عبد الحق من معهد باستور بتونس بأنه “تحوّل وبائي” ينذر “بزيادة الأمراض غير المعدية مثل الصمم والعمى وأمراض الفم وبعض الأمراض الوراثية بمعدلات تجعلها على رأس أولويات الصحة العامة”.[5]
ولعل هذا ما يقودنا إلى الحديث عن منطقة مجلس التعاون الخليجي والشرق الأوسط، التي تتميز بخصوصية شديدة في عالم لأمراض النادرة، حيث تنتشر مجموعات معينة من الاضطرابات العصبية والعضلية والتمثيل الغذائي واضطرابات الدم.[6]
وتُعزى هذه الأمراض النادرة في الغالب إلى ارتفاع نسبة زواج الأقارب بسبب انخفاض الكثافة السكانية، ما أدى بالنتيجة إلى حدوث طفرات مرضية لدى بعض مجموعات سكان الشرق الأوسط.
ففي سلطنة عُمان، على سبيل المثال، أظهرت إحدى الدراسات أن 229 من أصل 241 مريضاً يعانون من اضطرابات خُلقية في التمثيل الغذائي ولدوا لأبوين من الأقارب. فيما يُعاني حوالي 1 من كل 10 عمانيين من مرض الخلايا المنجلية والثلاسيميا بيتا.
وخلصت الدراسة كذلك إلى ارتفاع نسبة البيلة الهوموسيستينية بين المواطنين القطريين، وهي حالة خطيرة تجعل الجسم غير قادر على معالجة الميثيونين، مما يتسبب في تراكم خطير لهذا الحمض الأميني داخل الجسم.
وتشمل الاضطرابات الوراثية الأخرى المنتشرة بشكل متباين في جميع أنحاء المنطقة مرض جوشر، وداء نيمان-بيك من النمط “أ” و”ب”، وبيلة حمض الميثيل مالونيك، وبيلة البروبيونيك الحمضية، وعوز نازِعَة هيدرُوجين أسيل تميم الإِنزيمِ أ ذي السِلسِلَة الطويلة جداً (VLCAD)، وهو اضطراب وراثي نادر في استقلاب الأحماض الدهنية.
وغالباً ما يُحرم المرضى في العالم النامي من إمكانية الوصول إلى الأدوية الفعّالة، ونعني بها الأدوية التي يتم صرفها بشكل روتيني في الاقتصادات الأكثر ثراءً.
ولنا أن نعرف مثلاً أن العلاجات الجينية المبتكرة للضمور العضلي الشوكي، والتي يمكن أن تصل تكلفتها إلى 2 مليون دولار أمريكي لكل قارورة، غير متوفرة على الإطلاق في عُمان والبحرين والأردن ومصر، على الرغم من توافرها على نطاق واسع في الغرب.
لكن الجهود جارية ومتواصلة في سبيل إتاحة علاجات الأمراض النادرة على الصعيد الدولي. ففي دبي، شاركت عالمة الوراثة الدكتورة فاطمة البستكي، وأستاذة علم الجينات الدكتورة فاطمة الجسمي، في تأسيس جمعية الإمارات للأمراض النادرة (UAERDS) بهدف تحقيق مجموعة واسعة من الأهداف مثل زيادة الوعي بالأمراض النادرة؛ وإحالة حالات المرضى لأخصائيي الرعاية الصحية المناسبين؛ وتقديم الدعم المالي للأسر التي تواجه أعباء مرهقة جراء المرض. كما تسعى الجمعية إلى ترويج فحوصات ما قبل الزواج وبرامج فحص حديثي الولادة.
وقد أثبتت برامج الفحص بالفعل جدواها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خاصة وأن أحد هذه البرامج المصصمة للكشف عن الخلايا المنجلية ساعد في انخفاض الحالات من 2.1% في عام 1985 إلى 0.9% في البحرين، مع انعدام وفيات الرضع.[7]
ولاشك أن قصص النجاح هذه مشجعة إلى حد يبعث على التفاؤل، ذلك أن التغلب على بلاء الأمراض النادرة يعني في المقابل أن الأنظمة الصحية تمكنت من التغلب على نقص المعلومات.
تبادل المعرفة هو مفتاح النجاح طويل المدى
لا شيء أقوى من سلاح المعرفة في مواجهة الأمراض النادرة في عالم سريع التطور، مما يحتم علينا العمل على جمع المزيد من البيانات لإثبات الفوائد الاقتصادية طويلة الأجل لمكافحة هذه الحالات النادرة بدلاً من إهمالها.
ولهذا يدعو الخبراء المتخصصين في هذا المجال إلى إنشاء قاعدة بيانات للأمراض النادرة على المستوى الإقليمي لتحسين فهمنا لانتشار المرض. قد تبدو هذه خطوة بسيطة، لكنها في الواقع تُشجع على المزيد من الاتفاقيات البحثية حول المخاطر بين السلطات الصحية.
ومن شأن تجميع قواعد البيانات الجينومية القائمة على السكان، مثل مشروع الجينوم السعودي و مشروع الجينوم الإماراتي، أن يُساعد الباحثين والأطباء في تصدر جهود تطوير علاجات جديدة.[8]
تتزايد أهمية قواعد البيانات الجينومية الإقليمية بشكل خاص في ظل التحيزات العرقية التي تقوض فوائد العديد من قواعد بيانات الجينوم الحالية. فحتى عام 2016، كانت دراسات الجينوم لفئات السكان من أصول غير أوروبية تشكل 19% فقط من مجمل الدراسات. صحيح أن هذه النسبة تعكس تحسناً ملحوظاً عن الأداء السابق (سيما وأن ذلك الرقم لم يتجاوز 4% في عام 2009)، لكنها لا تزال تعبر عن محدودية توافر المعلومات الجينية الضرورية لمعالجة الأمراض النادرة في العالم النامي.
أما فيما يخص مدى انتشار الأمراض النادرة، فيكفي القول أنه ضخم. ففي الشرق الأوسط وحده، ومن بين إجمالي عدد السكان البالغ حوالي 400 مليون نسمة، يُعاني حوالي 2.8 مليون شخص من مرض نادر.[9] وبصرف النظر عن تكاليف الرعاية المستمرة المرتبطة بعلاج هذه الحالات، فهذا الرقم في حد ذاته يمثل كماً هائلاً من الفرص الضائعة نتيجة تراجع إنتاجية قطاع كبير من المجتمع على خلفية القيود التي تفرضها هذه النوعية من الأمراض على أنشطتهم الاقتصادية.
وهذه المعدلات المرَضية المرتفعة لا ينبغي سوى أن تحفز الحكومات على الاستثمار في حلول لا تؤدي بالضرورة إلى نتائج مباشرة أو فورية، وأن تصب تركيزها على دعم أبحاث الأمراض النادرة وتطوير الأدوية – سواء من خلال المنح أو الاستثمار في التعليم أو تهيئة بيئة تشريعية مواتية.
لطالما كانت الوقاية أفضلَ دائماً من العلاج، ولهذا تشير بعض الدراسات إلى أن توجيه حوالي 80% من جميع استثمارات الأمراض النادرة نحو الوقاية (التدخل المبكر والتوعية والتدريب) يعود بمردود أفضل بكثير من التركيز على تطوير الأدوية.[10]
تقنية جديدة تعيد كتابة القواعد في عالم الأمراض النادرة
كان عجز كثير من الحكومات عن مواجهة أعباء الأمراض النادرة المتزايد، دافعاً قوياً لبروز القطاع الخاص كلاعب أساسي في جهود تغيير مشهد الأمراض النادرة، خاصة في مجال العلاجات الجينية سريع التقدم.
وقد أدى تطور علم الجينوم وتقدم الطب الدقيق إلى تمكين الباحثين من تحديد أسباب العديد من الأمراض النادرة وفتح أفاق جديدة لعلاجات فعّالة.
فبحسب بيانات العام الماضي، كان هناك أكثر من 2000 علاج قيد التطوير قائم على تعديل الجينوم البشري، وثمة العديد من العلاجات الواعدة التي يُمكن تناولها مدى الحياة. ومن المتوقع أن يصل حجم سوق علاجات الأمراض النادرة إلى ما يقرب من 20 مليار دولار أمريكي سنوياً بحلول عام 2027.[11]
تُعطى العلاجات الجينية إما في الجسم مباشرة عبر إدخال آلات دقيقة جداً في جسم المريض لتغيير خلايا معينة وراثياً، أو خارج الجسم عن طريق إزالة خلية، وتعديلها وراثياً، ثم إعادة حقنها مرة أخرى في جسم المريض.
إن ظهور تقنية تسلسل الجيل التالي (NGS) يُسطر لحظة تاريخية في مسيرة الجهود العالمية لوقف آثار الدمار الذي خلفته الأمراض النادرة.
وتكمن أهمية أدوات تقنية تسلسل الجيل التالي في كونها تسهم في تسريع التشخيص بشكل جذري عن طريق تحديد موضع الخلل في الجين المسؤول عن المشكلة– أو حتى السمة المحددة لذلك الخلل.
كما أثبتت هذه التقنية قدرتها على تغير قواعد اللعبة، ليس فقط على مستوى التشخيص، بل على صعيد تطوير علاجات جديدة أيضاً. ولدينا مثاليّن حديثيّن يظهران كيف أن اكتشاف الجزيء المسؤول عن المرض قد ساعد أيضاً في تمهيد الطريق إلى علاجات واعدة.[12]
- تبين أن الجين (SLC18A2) هو الجزيء المحفّز لاضطراب الطفولة الذي يُسبب ضعف التحكم في الحركة واضطرابات المزاج وتأخر النمو. كان معروفاً في السابق أن هذا الجين يُشفر ناقل الدوبامين والسيروتونين إلى حويصلات متشابكة داخل الخلايا العصبية؛ وهكذا أدت العلاجات القائمة على الدوبامين إلى تقليل الأعراض واستئناف نمو الجسم بانتظام.
- تم تحديد جينات ناقل الريبوفلافين (SLC52A3) و (SLC52A2) كأسباب لمتلازمة براون فياليتو فان لاير – وهي نوع من الصمم المصحوب بمرض التصلب الجانبي الضموري. وقد أظهرت العلاجات القائمة على الريبوفلافين استجابات مشجعة ونتائج واعدة في تحسين العلامات الحيوية لدى المرضى.
ومن بواعث التفاؤل أيضاً أنه تم الانتهاء بالفعل من آلاف التجارب السريرية للعلاجات الجينية، وبعضها قيد التنفيذ حالياً، وجميعها تُظهر نتائج إيجابية في طيف واسع من الاضطرابات مثل الحالات الأيضية والعصبية والدموية والمناعية.
كما تُظهر أدوات تحرير الجينوم نتائج واعدة بشكل خاص، ومن أمثلتها تقنية نوكليازات أصبع الزنك (ZFNs)، ونوكليازات المستجيب الشبيهة بمنشط النسخ (TALENs)، وتقنية التكرار المتناوب العنقودي القصير (CRISPR). وتوفر تقنية النوكليازات هذه حلاً هندسياً فائقاً لتعديل تسلسل الحمض النووي وبالتالي تصحيح الطفرات الجينية غير المرغوب فيها.
ويقودنا الحديث عن دور القطاع الخاص في هذا المجال إلى إلقاء الضوء على شركة جينفارم (Genpharm)، التي تعمل على تسخير التكنولوجيا الوراثية المتطورة في مواجهة الأمراض النادرة.
تركز جينفارم، ومقرها دبي، على إنتاج أدوية متخصصة للأمراض الوراثية النادرة والأدوية والعلاجات اليتيمة. وهي بذلك توفر لشركائها مساراً سريعاً للوصول إلى الأسواق والاستشارات الإستراتيجية عبر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
بيد أن تحييد خطر الأمراض النادرة تماماً إنما يلزمه تحركاً عالمياً في صورة مبادرات تجمع ما بين الأبحاث المخبرية المبتكرة من جهة وبين الرؤى الطموحة للسلطات الصحية من جهة أخرى، باعتبار أن تأثير الوعي العام بالأمراض النادرة لا يختلف أبداً عن الدور الذي يؤديه أي دواء.
القطاع الخاص في طليعة الجهود العالمية
ثمة اهتمام حديث ومتزايد من جانب الجمهور بقضية الأمراض النادرة التي ظلت لأعوام طويلة بعيدة عن المجال العام. ففي ديسمبر 2021، اعترفت الأمم المتحدة رسمياً “بالحاجة إلى تعزيز وحماية حقوق الإنسان لجميع الأشخاص ذوي الإعاقة، بمن فيهم حوالي 300 مليون شخص يعانون من أمراض نادرة في جميع أنحاء العالم”، وقد تمخض هذا الاعتراف عن تبني جميع الدول الأعضاء البالغ عددها 193 دولة لقرار الأمم المتحدة لعام 2021 (PLWRD 2021) بشأن الأشخاص المصابون بأمراض نادرة.[13]
وبذلك تكون الأمم المتحدة قد أقرت بوجود ترابط طبيعي بين مفهوم ‘التغطية الصحية الشاملة’ ودعم مجتمع الأمراض النادرة. والواقع أن قرار الأمم المتحدة لعام 2021 بشأن الأشخاص المصابون بأمراض نادرة قد جاء متماشياً مع المبدأ الثاني من أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، وهو “عدم التخلي عن أي أحد.”
وفي أوروبا، أطلق الاتحاد الأوروبي مشروعاً لمساعدة المرضى والأسر المتضررة من الأمراض النادرة، وهو عبارة عن شبكة مرجعية تهدف إلى تزويد أصحاب الشأن بالمعلومات المتخصصة والموارد العلاجية، وتضم حالياً أكثر من 900 وحدة رعاية صحية عالية التخصص في حوالي 300 مستشفى موزعة على 26 دولة من أعضاء الشبكة. وعادةً ما يتم تقديم الاستشارات عبر الإنترنت من خلال نظام لإدارة المرضى (CPMS)، وهو تطبيق برمجي يتيح الاستعانة بالمتخصصين عن بُعد في التشخيص وتقديم خطط العلاج لأصحاب الحالات النادرة.
وفي إطار رفع مستوى الوعي بالأمراض النادرة، يُقام يوم الأمراض النادرة في اليوم الأخير من شهر فبراير كل عام في سبيل تحسين أوجه الدعم الطبي للمرضى وعائلاتهم.
كما تستهدف المبادرة إتاحة حلول التشخيص والعلاجات لكل شخص مصاب بمرض نادر، من خلال الكشف عن مخاطر أخطاء التشخيص والعلاج وعدم المساواة والعزلة.
وشهد يوم الأمراض النادرة هذا العام، والذي أقيم نهاية فبراير 2023، أكثر من 600 فعالية في 106 دولة حول العالم، بما فيها حدث سلسلة الأضواء العالمية الذي شاركت فيه مجموعة من المدارس والمنازل والمؤسسات المنضمة إلى مبادرة #التوعية بالأمراض النادرة.
وقد رأينا كيف أن الجهود التي تبذلها شركات القطاع الخاص مثل جينفارم يمكن أن تساعد في دفع ملف الأمراض النادرة إلى جدول الأعمال العالمي.
وفي هذا الصدد، يقول أكرم بوشناقي، الرئيس التنفيذي لشركة عبد اللطيف جميل للرعاية الصحية: “ندرة المرض لا تعني أنه لا يؤثر سلباً على المريض. وهذا يدفعنا إلى البحث عن شركاء يشاركوننا رؤيتنا لإيجاد علاجات جديدة للمرضى في جميع أنحاء العالم، بغض النظر عن خلفيتهم أو دخلهم أو وضعهم الاجتماعي.
“ونحن عازمون على المساهمة في رفد السياسات الصحية الوطنية بمشاريع بحثية طموحة وشراكات توزيع حيوية، بما يكفل إتاحة الموارد الحيوية للناس والمجتمعات التي غالباً ما يتم تجاهلها في العناوين العالمية.”
[1] https://www.weforum.org/agenda/2023/03/rare-diseases-changing-the-status-quo/
[2] https://www.rarebeacon.org/rare-diseases/what-are-rare-diseases/
[3] https://www.weforum.org/agenda/2023/03/rare-diseases-changing-the-status-quo/
[4] https://www.rarebeacon.org/rare-diseases/what-are-rare-diseases/
[5] https://twas.org/article/more-attention-rare-diseases-developing-countries
[6] https://edition.pagesuite-professional.co.uk/html5/reader/production/default.aspx?pubname=&edid=5632b0cc-5380-4577-99ca-6089409ace43
[7] https://edition.pagesuite-professional.co.uk/html5/reader/production/default.aspx?pubname=&edid=5632b0cc-5380-4577-99ca-6089409ace43
[8] https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC9632971/
[9] https://images.go.economist.com/Web/EconomistConferences/%7B757e740e-a8fe-457f-ae44-4938224f2ef0%7D_Rare_Diseases_roundtable_SummaryPaper_(2).pdf
[10] https://images.go.economist.com/Web/EconomistConferences/%7B757e740e-a8fe-457f-ae44-4938224f2ef0%7D_Rare_Diseases_roundtable_SummaryPaper_(2).pdf
[11] https://www.weforum.org/whitepapers/accelerating-global-access-to-gene-therapies-case-studies-from-low-and-middle-income-countries/
[12] https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC5815091/
[13] https://www.rarediseasesinternational.org/un-resolution/
مقالات ذات صلة
للاتصالات الإعلامية، والاستفسارات الصحفية، يرجى التواصل معنا على media@alj.ae، أو الاتصال بنا على رقم 0906 448 4 971+ (توقيت الإمارات العربية المتحدة يسبق توقيت غرينتش بمقدار 4 ساعات)