تحيا تكنولوجيا رعاية كبار السن!
التكنولوجيا الرقمية تساعد كبار السن على العيش حياة أطول وأكثر صحة
لا شك في أن نجاحنا في إطالة متوسط عمر البشرية هو أحد أعظم انتصاراتنا، لكن معظمنا يتفق على أن الحياة لا تتعلق فقط بالكم، بل بالجودة أيضاً، وهذا هو مكمن التحدي. فكيف يمكننا أن نضمن عيش كل هذه السنوات الإضافية بصحة جيدة وبشكل ممتع ومفيد قدر الإمكان؟
بحسب الأمم المتحدة، يعيش على سطح الكوكب اليوم ثمانية مليارات نسمة، منهم 10% يبلغون من العمر 65 عاماً أو أكثر. وبحلول عام 2050، سيرتفع هذا الرقم بنحو 16%[1]. وهذا يعني أن عدد كبار السن يفوق بالفعل عدد الشباب. ففي عام 2020، كان عدد الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاماً أكبر من عدد الأطفال دون سن الخامسة.[2] وفي العقود الثلاثة المقبلة، سيكون لدينا 426 مليون شخص تبلغ أعمارهم 80 عاماً أو أكثر على مستوى العالم.[3]
تسارعت شيخوخة السكان بدايةً في البلدان ذات الدخل المرتفع (30% من سكان اليابان تزيد أعمارهم بالفعل عن 65 عاماً[4])، بيد أن البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل تشهد تغيّراً سريع الوتيرة، فبحلول عام 2050، ستكون هذه البلدان موطناً لثلثي سكان العالم الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاماً.[5]
يمكن لكبار السن أن يعيشوا حياة كريمة وأن يقدموا إسهامات كبيرة لأسرهم ومجتمعاتهم، لكن ذلك كله يعتمد أساساً على مدى توافر الرعاية الصحيّة. تُعرّف منظمة الصحة العالمية (WHO) الشيخوخة الإيجابية بأنها “عملية تطوير القدرة على الأداء والمحافظة عليها، بطريقة تكفل التمتع بالرفاهية مع ﺘﻘﺩﻡ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻥ”؛ وتشير إلى أن “القدرة على الأداء تتعلق بجميع السمات التي تمكّن الناس من أن يكونوا ويفعلوا ما يرونه قيّما بالنسبة لهم”.[6] وتُظهر الأبحاث أن معظم كبار السن يفضلون العيش في منازلهم ومجتمعاتهم الحالية. وتُعرِّف المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) الشيخوخة في مكان الإقامة بأنها “قدرة الأشخاص على البقاء في محيطهم الاجتماعي ومنازلهم بأمان واستقلالية وراحة مع تقدمهم في العمر، بصرف النظر عن العمر أو الدخل أو مستوى الأداء”.[7]
لكن واقع الحال هو أنه كلما طالت أعمارنا، زادت احتمالية تعرضنا لمشكلات صحية عديدة تؤثر إما على أجسادنا أو عقولنا. وثمة بالفعل العديد من الأمراض الشائعة المتعلقة بالتقدم في العمر، منها ضعف السمع والبصر، وتراجع القدرة على الحركة، وفقدان التوازن، وسلس البول، والأمراض الرئوية، والسكري، ومشاكل الصحة المعرفية او الإدراكية مثل الخرف والاكتئاب، ناهيك عن ارتفاع كلفة علاج هذه الحالات المتزايدة باستمرار.
وتشير تقديرات وزارة الصحة في المملكة المتحدة إلى أن متوسط تكلفة توفير الخدمات العلاجية بالمستشفيات ومراكز الصحة المجتمعية لشخص يبلغ من العمر 85 عاماً أو أكثر يبلغ حوالي ثلاثة أضعاف تكلفة الشخص الذي يتراوح عمره بين 65 و74 عاماً[8]، مع احتمال أن يتضاعف هذا الرقم بسبب انخفاض عدد السكان العاملين نسبة إلى عدد الأشخاص المتقاعدين، مما يساهم في تزايد الفجوة بين الرعاية والقدرة على تمويل كلفتها.
وتؤكد عالمة الشيخوخة كيرين إتكينز، مؤلفة كتاب “ثورة تكنولوجيا رعاية كبار السن” (AgeTech)، أن “العديد من البلدان تعاني من نقص حاد في مقدمي الرعاية مدفوعة الأجر، وتشعر العديد من العائلات بـ”عبء توفير الرعاية”. وتضيف: “في الماضي، عندما كانت معدلات المواليد مرتفعة وكان متوسط العمر المتوقع منخفضاً، كان لدى كبار السن العديد من الأبناء والأحفاد الذين يمكنهم الاعتناء بهم. أما في عصرنا الحديث، فمن الشائع جداً أن يقوم مقدم الرعاية الأسرية برعاية أكثر من قريب مُسِن في آن واحد.”
الحل قد يكمن في تكنولوجيا رعاية كبار السن (AgeTech)
تُوصف «تكنولوجيا رعاية كبار السن» بأنها نقطة التقاطع بين التكنولوجيا واقتصاد طول العمر.[9] ببساطة، «تكنولوجيا رعاية كبار السن»، هي أي تقنية رقمية مصممة لتلبية احتياجات ورغبات كبار السن، بما في ذلك الأجهزة التي يستخدمها كل من كبار السن ومقدمي الرعاية.
في تقرير صادر لصالح الرابطة الأمريكية للمتقاعدين (AARP)، ومقرها الولايات المتحدة، تُعرِّف شركة أكسفورد إيكونوميكس «اقتصاد طول العمر» بأنه مجموع النشاط الاقتصادي الذي يخدم احتياجات كبار السن. على سبيل المثال، أنفق الأمريكيون الذين تزيد أعمارهم عن 50 عاماً نحو 7.6 تريليون دولار أمريكي على السلع والخدمات في عام 2018، ومن المتوقع أن ينفقوا حوالي 27.5 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2050. وبحلول عام 2030، يُتوقع أن ينفق الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 50 عاماً في الولايات المتحدة ما يفوق 200 مليار دولار أمريكي سنوياً على منتجات التكنولوجيا [10].
تُحدد المؤسسة الخيرية الكندية «إيج ويل» (Age-Well) ثمانية مجالات يمكن فيها لـ «تكنولوجيا رعاية كبار السن» – وهي تقوم بذلك بالفعل في كثير من الحالات – أن تسهم في تمكين كبار السن من العيش حياة أطول وأكثر صحة وإشباعاً، مع تزويد مقدمي الرعاية أيضاً بالدعم والأدوات التي يحتاجونها لأداء مهامهم[11]:
- البيوت والمجتمعات الداعمة – لتمكين كبار السن من العيش باستقلالية في منازلهم ومجتمعاتهم من خلال توفير الدعم والخدمات المناسبة. ومن أمثلة التقنيات المحتملة: المنازل الذكية وأجهزة الاستشعار لمراقبة السلامة في المنزل، والبوابات الإلكترونية للمجموعات، والبرامج المجتمعية.
- الصحة والعافية المعرفية – تبني نهج استباقي لإدارة قضايا الصحة المعرفية التي تؤثر غالباً على كبار السن ومقدمي الرعاية. ومن أمثلة التقنيات المحتملة: التذكير بالأدوية، وأدوات التقييم المعرفي الرقمي.
- الاستقلالية والعناية بالشؤون الشخصية – دعم كبار السن في الحفاظ على استقلاليتهم، حتى في مواجهة الضعف أو الإعاقة أو المرض. ومن أمثلة التقنيات المحتملة: التكنولوجيا المساعدة، وواقيات الورك، وتقنيات إعادة التأهيل، وقفازات التثبيت.
- الرفاهية المالية والوظيفية – الحد من المخاطر المالية والإقصاء في مكان العمل. ومن أمثلة التقنيات المحتملة: بوابات التوظيف المصممة خصيصاً للمستخدمين من كبار السن ومقدمي الرعاية، والتطبيقات المالية التي تستهدف المستخدمين الأكبر سناً.
- التنقل والنقل – توفير أنظمة نقل شاملة تجعل كبار السن يشعرون بالراحة والأمان. ومن أمثلة التقنيات المحتملة: الكراسي المتحركة الذكية، والمركبات ذاتية القيادة.
- البقاء على اتصال – تعزيز الشبكات الاجتماعية لكبار السن ومقدمي الرعاية. ومن أمثلة التقنيات المحتملة: المنصات والتطبيقات الاجتماعية، وروبوتات التواجد عن بعد، وأدوات المساعدة على السمع.
- الرعاية الصحية وتقديم الخدمات الصحية – دعم كبار السن في التغلب على تحديات جوهرية مثل الوصول إلى الأطباء في المواعيد، والحصول على السجلات الصحية، والتنقل في النظام بسهولة، وتوفير تقنيات جديدة تعمل على تحسين جودة الرعاية. ومن أمثلة التقنيات المحتملة: زيارات الطبيب الافتراضية، وتطبيقات الصحة الرقمية، وأجهزة المراقبة المستمرة لنسبة السكر في الدم، وأسِّرة المرضى المتنقلة.
- أنماط الحياة الصحية والعافية – تشجيع أنماط الحياة الصحيّة من خلال تسهيل تبني الخيارات الإيجابية حول التغذية وممارسة الرياضة والإدارة الذاتية للصحة العقلية والبدنية، مع مراعاة العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياقية أيضاً. ومن أمثلة التقنيات المحتملة: الأجهزة القابلة للارتداء، والوصول الافتراضي إلى التمارين، وتطبيقات اللياقة البدنية.
وهكذا يتضح أن سوق «تكنولوجيا رعاية كبار السن» تتمتع بإمكانات هائلة وتغطي كل شيء تقريباً من التنقل والتمويل، إلى ممارسة الرياضة والتغذية، ويمكن أن يكون لها تأثير إيجابي على كل جانب من جوانب نمط حياة كبار السن ورفاههم. ومع ذلك، ونظراً للأمراض والاعتلالات التي تؤثر على معظم الناس مع تقدمهم في العمر، فإن أحد أكبر مجالات التركيز لثورة «تكنولوجيا رعاية كبار السن» هي الرعاية الصحيّة نفسها.
وقد زاد الإقبال على خدمات الطب الإلكتروني والمراقبة عن بُعد بشكل مطرد، على وجه الخصوص، خلال العامين الماضيين، مدفوعة بعمليات الإغلاق التي فرضها فيروس كورونا 2019، إلى الحد الذي دفع وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية إلى تعويض مقدمي خدمات التطبيب عن بُعد مقابل الخدمات التي قدموها خلال الجائحة. وبالمثل قدمت هيئة الخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة حوالي 11 ألف جهاز آيباد إلى دور رعاية المسنين لتمكين استشارات الفيديو وإبقاء كبار السن على اتصال بأفراد العائلة أثناء الجائحة.[12]
ورُغم تراجع الإقبال على خدمات الطب الإلكتروني مع تخفيف القيود الوبائية، إلا أن نمو خدمات الرعاية الصحية عن بُعد لم يشهد تحولاً كبيراً. فوفقاً لاستطلاع أجرته الرابطة الأمريكية للمتقاعدين، أفاد 32% من البالغين بأنهم مهتمون جداً باستخدام الرعاية الصحية عن بُعد لأنفسهم أو لأحد أفراد عائلتهم.[13]
وثمة الكثير من شركات التكنولوجيا الحريصة على الاستفادة من إمكانات «تكنولوجيا رعاية كبار السن»، بدءاً من اللاعبين العالميين وحتى الشركات الناشئة سريعة النمو. ومن أبرز الأمثلة على ذلك خدمة «أليكسا توجاذر» (Alexa Together) من أمازون، المصممة خصيصاً لمساعدة كبار السن على الشعور بمزيد من الراحة والثقة للعيش بشكل مستقل. توفر هذه الخدمة أدوات لطلب المساعدة، وخط مساعدة في حالات الطوارئ، وخاصية استشعار لاكتشاف السقوط، وخيار المساعدة عن بُعد للمساعدة في إدارة إعدادات الأجهزة، وموجز لنشاط أفراد العائلة لمعرفة ما إذا كان شخص ما أقل نشاطاً من المعتاد. وبالمثل، يتضمن نظام المنزل الذكي «نيكست هاب ماكس» (Next Hub Max) من جوجل، واجهة سلسة يسهل على كبار السن استخدامها، مما يساعدهم على تجاوز الشعور بالعزلة.
وتشارك الشركات الناشئة بمجموعة من الابتكارات الأكثر إثارة في هذا المجال. مثلاً، تُساعد تقنية زيبريو (Zibrio) للوقاية من السقوط، في تحديد ما إذا كان المستخدمون معرضين لخطر السقوط، بينما يضيء مصباح نوبي الذكي (Nobi) الممرات الأرضية تلقائياً عندما يقف شخص ما وينبه مقدمي الرعاية إلى السقوط أو الحركات غير المنتظمة.
وبعيداً عن أجهزة الاستشعار العادية، يمكن لأحدث ابتكارات «تكنولوجيا رعاية كبار السن» تسخير الذكاء الاصطناعي (AI) لتحليل كمية ضخمة من البيانات وتوفير تشخيصات دقيقة ومراقبة متقدمة دون تدخل بشري. على سبيل المثال، طورت شركة دونيسي (Donisi) نظام مراقبة عن بُعد قائم على الذكاء الاصطناعي ويمكنه اكتشاف التغيرات في معدل ضربات القلب وأنماط التنفس بشكل لحظي، باستخدام أجهزة استشعار بصرية والأشعة تحت الحمراء لالتقاط الحركات الدقيقة على الجلد دون الحاجة إلى أسلاك أو غير ذلك من الموصلات.
ويُعد الابتكار في دور الرعاية مجالاً آخر يمكن أن تسهم فيه التكنولوجيا في التخفيف من أعباء مقدمي الرعاية وتمنح أخصائي الرعاية الصحية مزيداً من الوقت للتفاعل مع كبار السن. وتقوم منصة «هوميج» (Homage) بإنشاء ملفات تعريف لمقدمي الرعاية وتعمل مع الممرضات لتقييم أدائهم في مختلف المهام مع المرضى. وتعكف «بيردي» (Birdie)، وهي شركة متخصصة في تطوير حلول الرعاية الصحيّة، على إنشاء برنامج لتعزيز الرعاية الشخصية والوقائية من خلال تقليل التكاليف الإدارية وإتاحة تسجيل مقدمي الرعاية بشكل لحظي، وتمكين الإشعارات المتعلقة بالأدوية.
ويبدو أن إمكانات «تكنولوجيا رعاية كبار السن» تجتذب استثمارات أكثر من أي وقت مضى.[14] فعلى مدى السنوات الخمس الماضية، قام المستثمرون بتوجيه أكثر من 2.5 مليار دولار أمريكي إلى الشركات الناشئة في مجال رعاية المسنين والصحة المنزلية في الولايات المتحدة وحدها.[15]
ويُعزى الإقبال المتزايد من جانب المستخدمين على تقنيات «تكنولوجيا رعاية كبار السن» إلى سرعتها الفائقة في اكتشاف المشكلات الصحية المحتملة بشكل استباقي عبر ما يسمى “الأجهزة القابلة للارتداء”، والتي تشكل نسبة كبيرة من المنتجات المطروحة في الأسواق، وتشمل أجهزة تتبع اللياقة البدنية والساعات الصحية الذكية وأجهزة مراقبة تخطيط القلب وأجهزة مراقبة ضغط الدم وأجهزة الاستشعار الحيوية الأخرى،[16] حيث تُساعد هذه الأجهزة في تحديد المخاطر والظروف الوقائية والمساعدة في التعافي، خاصة أثناء الانتقال من المستشفى إلى المنزل.
وعن ذلك، يقول جاكوب سكينر، الرئيس التنفيذي لشركة «ثرايف ويرابلز» (Thrive Wearables)، وهي شركة متخصصة في التقنيات القابلة للارتداء ومقرها المملكة المتحدة: “أحد الجوانب الجوهرية هو أن [الأجهزة القابلة للارتداء] توفر للناس نوعية حياة أفضل، خاصة عند الانتقال من المستشفى إلى المنزل. أما الجانب الآخر فيتمثل في التدابير الوقائية وتسريع التعافي عبر محاكاة تقنيات المستشفى وجعلها مناسبة للاستخدام المنزلي[17]، مثل تخطيط القلب أو مراقبة الحركة.”
ابتكارات عبد اللطيف جميل للرعاية الصحيّة في مجال «تكنولوجيا رعاية كبار السن»
تفخر شركة عبد اللطيف جميل للرعاية الصحيّة بدورها المتواضع في مجال «تكنولوجيا رعاية كبار السن» عبر إتاحة حلول متقدمة يمكنها أن تساعد كبار السن على عيش حياة صحية ومثمرة. وفي سياق هذه المساعي، دخلت الشركة في شراكة مع «باترفلاي نتورك» (Butterfly Network)، ومقرها الولايات المتحدة، بهدف إتاحة تقنيات التصوير الطبي على مستوى العالم من خلال طرح جهاز «باترفلاي آي كيو+» (Butterfly iQ)، وهو أول جهاز أحادي المجس ومحمول باليد في العالم لتصوير كامل الجسم بالموجات فوق الصوتية، ويتيح لمقدمي الرعاية الصحية إمكانية الحصول على صور دقيقة وإجراء تقييمات سريعة وتقديم التوجيه في الحالات الحرجة بغض النظر عن مكان وجودهم، بالإضافة إلى إمكانية مشاركة تلك الصور بسرعة وسلاسة مع الأطباء في جميع أنحاء العالم للمساعدة في قراءة محتوى صور الأشعة وتفسيرها. ومن خلال إتاحة هذه التقنية لأشخاص مدربين، يمكن تقييم المرضى خارج بيئة المستشفى، بمن فيهم كبار السن.
وفي هذا الصدد، يقول أكرم بوشناقي، الرئيس التنفيذي لشركة عبد اللطيف جميل للرعاية الصحيّة: “يكمن أحد التحديات الرئيسية أمام تطوير حلول «تكنولوجيا رعاية كبار السن» الجديدة في التغلب على العقبات التي تحول دون تسريع توافرها على نطاق واسع. وثمة جزء من هذا التحدي يتعلق بضمان إدارة الجوانب التنظيمية بكفاءة، ثم توفير البنية التحتية اللازمة لدعم إطلاق هذه التكنولوجيا الجديدة وتوعية مجتمع الرعاية الصحية حول مزاياها. وبطبيعة الحال، سيختلف السياق والتحديات باختلاف التقنيات والأسواق، وهنا تكمن واحدة من نقاط القوة الرئيسية لشركة عبد اللطيف جميل للرعاية الصحيّة – وهي القدرة على التكيف مع السياقات المحلية ومعالجة المشكلات عند ظهورها.”
تكييف الأطر التنظيمية
إن توسيع قطاع «تكنولوجيا رعاية كبار السن» في البلدان التي تتمتع برعاية صحية شاملة، سيعتمد إلى حد كبير على الأطر التنظيمية الحكومية لمجال الرعاية. وفي الوقت الحالي، يتمتع مقدمو الرعاية بحرية كبيرة في اختيار المجال الذي يستثمرون فيه أموالهم. لكن نقص أعداد العاملين في مجال الرعاية الصحية في العديد من الأسواق الرئيسية، قد يتطلب من الجهات التنظيمية إعطاء الأولوية لتمويل زيادة الأجور على الاستثمار في التكنولوجيا.[18]
وفي هذا الخصوص، يقول أفنيش جويال، مؤسس شركة «هولمارك كير هومز» ورئيس «كير إنجلاند»: “ما من شك في أن المبادرات الحكومية المتعلقة بتمويل الرعاية الاجتماعية محفوفة بالتحديات. صحيح أن لدينا حالياً مساحة كبيرة من حرية الاختيار، ولكن الطريقة التي تقرر بها الحكومات تنظيم سبل تقديم الرعاية هي التي يمكن أن تخنق الابتكار حقاً، خاصة إذا ما أقدمت هذه الحكومات على إقرار لوائح تحد من حرية الاختيار. “[19]
وثمة أيضاً تحدٍ أخر يتمثل في العديد من المتطلبات التنظيمية التي يتعين على الشركات المصنعة استيفاؤها. فعلى سبيل المثال، يجب على الشركات التي تبيع منتجاتها في سوق الاتحاد الأوروبي الالتزام بلوائح الأجهزة الطبية الجديدة (MDR)، ولوائح الأجهزة الطبية التشخيصية المختبرية (IVDR). وفي فبراير 2022، أعلنت رابطة صناعات التكنولوجيا الصحية البريطانية عن برنامج تمويل بقيمة 7 ملايين جنيه إسترليني لمساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة على استيفاء الإجراءات التنظيمية للتكنولوجيا الصحية.[20]
وتشكل خصوصية البيانات مصدر قلق آخر، وهذا لأن «تكنولوجيا رعاية كبار السن»، مثل معظم التكنولوجيا الرقمية، لا يمكن تحسينها وتطويرها إلا من خلال جمع المزيد من البيانات وتحليلها، وغالباً ما يكون ذلك على حساب الخصوصية؛ وهي مقايضة صعبة الفهم لكثير من الناس، صغاراً وكباراً. وقد لا يتمكن بعض مستخدمي «تكنولوجيا رعاية كبار السن»، ممن يعانون من اضطرابات إدراكية أو عقلية، من تقديم موافقة لمشاركة بياناتهم. وبالمثل، “قد يؤدي الاعتماد المفرط على التكنولوجيا أو إساءة استخدامها إلى تجريد ممارسات الرعاية من إنسانيتها أو إرساء أشكال جديدة من التمييز العنصري والإقصاء. ولهذا ترى بيغي هيكس، مديرة قسم المشاركة المواضيعية والإجراءات الخاصة والحق في التنمية لدى مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، أننا بحاجة إلى التأكد من تصميم التقنيات وتعميمها بشكل آمن، وهو ما يتطلب مشاركة نشطة لكبار السن في تنميتهم”[21].
ويدعو المنتدى الاقتصادي العالمي إلى تبني نهج يسمى “الوصول المصرح به للأغراض العامة”، والذي يوفر إطاراً لتقييم التكنولوجيا مثل تطبيقات تتبع جهات الاتصال لتحقيق التوازن بين مصالح الأفراد ومطوري التكنولوجيا والمجتمع ككل.[22]
ومع كثرة تطبيقات التكنولوجيا، يحتاج العديد من كبار السن، وخاصة أولئك الذين يعانون من تدهور الوظائف الإدراكية والمعرفية، إلى المساعدة في استخدام التكنولوجيا الرقمية الشائعة مثل الهواتف الذكية. ومهما أصبحت هذه المنتجات سهلة الاستخدام، فمن المحتمل أن تظل هناك حاجة إلى مقدمي الرعاية وأفراد الأسرة لمساعدة المستخدمين الأكبر سناً على التعامل مع الأجهزة.
وعند التركيز على تقنية «تكنولوجيا رعاية كبار السن» المبتكرة، من السهل أيضاً نسيان التكنولوجيا الأساسية التي تجعل كل شيء ممكناً: الاتصال. تعتمد معظم تقنيات رعاية كبار السن، وخاصة المراقبة عن بُعد، على الإنترنت عالي السرعة. وفي هذا الصدد، ترى لجنة الاتصالات الفيدرالية التابعة للحكومة الأمريكية أن سرعة التنزيل يجب ألا تقل عن 25 ميجابت في الثانية وسرعة التحميل عن 3 ميجابت في الثانية لسرعات النطاق العريض. ومع ذلك، فإن ما يقرب من نصف دول العالم لديها سرعة أقل من المتوسط،[23] مما قد يؤدي إلى الإقصاء الرقمي. حتى في أمريكا نفسها، هناك حوالي 22 مليون بالغ غير متصلين بالإنترنت على الإطلاق.[24]
وثمة نقطة جوهرية أخرى وهي تسهيل استخدام «تكنولوجيا رعاية كبار السن» على أرض الواقع. ففي الوقت الحالي، تتطلب معظم التقنيات الرقمية أجهزة عديدة، بما فيها هاتف ذكي وتطبيقات إلكترونية وعنوان بريد إلكتروني وما إلى ذلك، مما يجعل من الصعب على بعض كبار السن التعامل مع هذا الكم من المتطلبات المرهقة. ويُعد بروتوكول ماتر (Matter Protocol)، الذي تم إطلاقه في أكتوبر 2022، هو بروتوكول للتشغيل البيني للمنزل الذكي مدعوم من “آبل” و “أمازون” و “جوجل” و “سامسونج” وغيرها من صانعي الأجهزة، من أبرز التطبيقات المصممة لتجاوز هذه العوائق من خلال تسهيل تشغيل الأجهزة لدى مختلف مقدمي الخدمات وعبر مختلف أنظمة التشغيل.[25] ومع ذلك، فإن عدد الأجهزة التي تستخدم البروتوكول لا يزال محدوداً.
تكنولوجيا رعاية كبار السن تتوسع
ما الذي يخبئه المستقبل لتكنولوجيا رعاية كبار السن؟ تُطبق العديد من المنتجات والخدمات، مثل الرعاية الصحية عن بُعد، التكنولوجيا الحالية على حالات الاستخدام المتعلقة بالعمر. والبعض الآخر، مثل أحدث المستشعرات الحيوية، متطور إلى حد مذهل. وفي كلتا الحالتين، سيستمر الابتكار والانتشار طالما استمر التمويل. وسوف تُسهم البيانات، كما هو الحال دائماً، في تطوير خدمات فعالة وشخصية بشكل متزايد. وسيؤدي الاكتشاف المبكر للاضطرابات الصحية والمراقبة السرية بمساعدة الذكاء الاصطناعي إلى تخفيف عبء مقدمي الرعاية ودعم رفاهية وطول عمر كبار السن الضعفاء.
صحيح أن تقنية «تكنولوجيا رعاية كبار السن» لن تَحِل أبداً محل البشر، لكنها ستساعد بلا شك في إتاحة اتصالات أعمق وتشخيصات أفضل وعلاجات أكثر فعالية تؤدي إلى حياة أطول وأكثر صحة.
” تدور فكرة «تكنولوجيا رعاية كبار السن» في جوهرها حول إيجاد طرق جديدة لرعاية كبار السن؛ وخلق تأثير مستدام من خلال تمكين الناس من العيش في منازلهم، والحفاظ على صحتهم، والبقاء على اتصال بمقدمي الرعاية، والحفاظ على أدوارهم كأفراد منتجين في مجتمعنا. وفي كل هذه الحالات، لدينا بالفعل ما يكفي من التقدم التكنولوجي لتحقيق هذه التطلعات، وكل ما علينا هو استخدامها فيما ينفعنا.”
[1] https://www.un.org/en/desa/world-population-reach-8-billion-15-november-2022
[2] https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/ageing-and-health
[3] https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/ageing-and-health
[4] https://www.sciencedaily.com/releases/2022/04/220427115813.htm
[5] https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/ageing-and-health
[6] https://www.who.int/philippines/news/q-a-detail/healthy-ageing-and-functional-ability
[7] https://www.cdc.gov/healthyplaces/terminology.htm
[8] https://www.ons.gov.uk/peoplepopulationandcommunity/birthsdeathsandmarriages/ageing/articles/livinglongerhowourpopulationischangingandwhyitmatters/2018-08-13
[9] https://www.forbes.com/sites/tinawoods/2019/02/01/age-tech-the-next-frontier-market-for-technology-disruption/
[10] https://longevityeconomy.aarp.org/?CMP=RDRCT-PRI-OTHER-LONGECON-111319
[11] https://agewell-nce.ca/wp-content/uploads/2021/05/AGE-WELL-Challenge-Area-one-pager_EN_05-20-21-1.pdf
[12] https://transform.england.nhs.uk/covid-19-response/social-care/ipad-offer-care-homes/
[13] https://www.aarp.org/content/dam/aarp/research/surveys_statistics/health/2022/telehealth-use-update.doi.10.26419-2Fres.00525.001.pdf
[14] https://www.thegerontechnologist.com/who-is-investing-in-the-age-tech-revolution/
[15] https://www.thegerontechnologist.com/who-is-investing-in-the-age-tech-revolution/
[16] https://www.insiderintelligence.com/insights/wearable-technology-healthcare-medical-devices/
[17] https://labs.uk.barclays/media/knvpvwur/unlocking_growth_the_age_of_agetech.pdf
[18] https://www.theguardian.com/society/2021/sep/04/care-workers-in-england-leaving-for-amazon-and-other-better-paid-jobs
[19] https://labs.uk.barclays/media/knvpvwur/unlocking_growth_the_age_of_agetech.pdf
[20] https://www.ukri.org/news/new-7-million-fund-to-help-uk-healthtech-smes-with-regulation/
[21] https://www.weforum.org/agenda/2021/03/what-is-the-biggest-benefit-technology-ageing-longevity-global-future-council-tech-for-good/
[22] https://www3.weforum.org/docs/WEF_APPA_Authorized_Public_Purpose_Access.pdf
[23] https://www.speedtest.net/global-index
[24] https://agingstg.wpengine.com/report/
[25] https://csa-iot.org/all-solutions/matter/
مقالات ذات صلة
للاتصالات الإعلامية، والاستفسارات الصحفية، يرجى التواصل معنا على media@alj.ae، أو الاتصال بنا على رقم 0906 448 4 971+ (توقيت الإمارات العربية المتحدة يسبق توقيت غرينتش بمقدار 4 ساعات)