المحافظة على الموارد…. وتمديد الأعمار
السبيل إلى تحسين كفاءة الإنفاق على الرعاية الصحية
ما من أحد يمكنه تحديد سعر لصحته … صدق المثل. ولكنك في بعض الأحيان قد تضطر لذلك.
على الصعيد العالمي، يتنامى الإنفاق على الرعاية الصحية بسرعة تفوق معظم الاقتصادات[1]. فهل ذلك يعني أنه كلما زاد إنفاقك، كلما حصلت على نواتج صحية أفضل؟ غير صحيح. فبعض الدول تحقق نواتج صحية أفضل مقابل أموال أقل. وبينما يلاحظ ذلك أصحاب الإنفاق المتزايد على الرعاية الصحية، يكتسب أصحاب الإنفاق المنخفض الثقة فيما يقومون به.
في هذا المقال، نستعرض سوياً تلك العلاقة المعقدة بين الإنفاق على الرعاية الصحية والنواتج الصحية على المستوى الوطني – وكيف يمكن للبلدان تمديد متوسط العمر المتوقع وموازنة الدفاتر والسجلات في الوقت نفسه.
الإنفاق العالمي على الرعاية الصحية يتزايد سريعاً
على مدار العقدين الماضيين، تضاعف الإنفاق في مجال الصحة ليصل إلى 8.5 تريليون دولار أمريكي خلال عام 2019 ممثلاً ما قيمته 9.8% من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك وفقًا لمنظمة الصحة العالمية. وتؤكد الأرقام أن الإنفاق على الرعاية الصحية موزع بشكل غير متساوي، فنرى البلدان ذات الدخول المرتفعة تمثل 80% من الإنفاق الصحي وهي تنفق في المتوسط أربعة أضعاف ما تنفقه البلدان ذات الدخول المنخفضة[2].
ويشمل الإنفاق على الرعاية الصحية الإنفاق الحكومي، ومدفوعات الأفراد، ومساهمات شركات التأمين الصحي التي يشترك فيها الأفراد أو التي يوفرها صاحب العمل والمنظمات غير الحكومية. وتساهم الحكومات بحوالي نصف الإنفاق على الرعاية الصحية، في حين يأتي أكثر من 35% من مدفوعات الأفراد[3].
وعلى الرغم من تلك الزيادة الملحوظة في معدلات الإنفاق على الرعاية الصحية، لا يزال نصف سكان العالم غير قادرين على الحصول على الخدمات الصحية الأساسية. وثمة 100 مليون يواجهون خطر الوقوع فريسة لبراثن الفقر بسبب الإنفاق على الصحة. وينفق أكثر من 930 مليون شخص (حوالي 12% من سكان العالم) ما لا يقل عن 10% من ميزانيات أسرهم على الرعاية الصحية.[4]
ومن ناحية أخرى، تتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن يستمر الإنفاق على الرعاية الصحية في تجاوز معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي في كل بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تقريباً على مدى السنوات الخمس عشرة المقبلة. وبحلول عام 2030، من المتوقع أن يصل معدل الإنفاق على الرعاية الصحية للفرد إلى 10.2% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ 8.8% في عام 2018[5].
لماذا يزداد الإنفاق على الرعاية الصحية؟
تتزايد تكاليف الرعاية الصحية، ويعزى ذلك إلى العديد من العوامل. ومع توقع وصول عدد سكان العالم إلى تسعة مليارات نسمة بحلول عام 2037، من المنتظر أن يتزايد الطلب على خدمات الرعاية الصحية[6]. ويتفاقم الأمر مع تقدم السكان في العمر، وهو ما يعني زيادة معدلات الأمراض المزمنة والأمراض غير المعدية، والتي غالباً ما يكون علاجها أكثر كلفة.
من ناحية أخرى، أدت زيادة الوعي بالصحة العامة وأهمية تغيير نمط الحياة إلى زيادة الطلب على أنماط علاجية مستحدثة، مثل فحوصات السرطان. وتؤدي العلاجات والتكنولوجيات الأكثر تقدماً أيضاً إلى رفع تكلفة الرعاية الصحية.
علاوة على ذلك، تسهم التوجهات التي تهدف إلى مناهضة المنافسة داخل مضمار الرعاية الصحية – ويشمل ذلك اتحاد مقدمي الرعاية الصحية وشركات التأمين – تسهم في الحد من المنافسة وزيادة التكلفة التي يتكبدها المستهلك. من ناحية أخرى، قد تسهم الاستثمارات الخاصة والمضاربات أيضاً في زيادة تكلفة الرعاية الصحية. ويؤدي تعقيد أنظمة الرعاية الصحية وعمليات التمويل والعمليات الإدارية إلى المزيد من الأعباء المالية.
هل تعني زيادة الإنفاق على الرعاية الصحية الحصول على نواتج صحية أفضل؟
إن العلاقة بين الإنفاق على الرعاية الصحية والنواتج الصحية جد معقدة. فهناك العديد من العوامل التي تؤثر على الإنفاق على الرعاية الصحية والنواتج الصحية، مما يجعل من الصعب تحديد علاقة سببية بينهما.
ويعد مستوى الدخل أحد هذه العوامل، فالبلدان ذات الدخل المرتفع بإمكانها أن تنفق المزيد على الرعاية الصحية. وتتمتع هذه البلدان بمجموعة من المزايا الأخرى التي تؤثر على صحة سكانها. وخلال القرن الماضي، أدى التقدم في مختلف المجالات الصحية، مثل الصرف الصحي واللقاحات والرعاية الصحية الوقائية، إلى زيادة متوسط العمر المتوقع بشكل كبير على مستوى العالم. وتلعب كفاءة نظام الرعاية الصحية في بلد ما، وتمويله وكذا صحة السكان الذين يستخدمون هذا النظام، دوراً في تحديد العلاقة بين الإنفاق على الرعاية الصحية والنواتج الصحية.
ووفقا لبيانات البنك الدولي، فإن زيادة الإنفاق على الرعاية الصحية تؤدي عادة إلى نواتج صحية أفضل على المستوى الوطني. وتظهر البيانات الواردة من 178 دولة أن البلدان التي تزايد فيها الإنفاق على الرعاية الصحية، ارتفع فيها متوسط عمر الفرد المتوقع ليصل إلى 80 عاماً[7].
وخلال الفترة بين عامي 1995 و2015، تم رصد الاتجاه نفسه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث ارتبطت زيادة الإنفاق على الرعاية الصحية بزيادة خمس سنوات في متوسط عمر الفرد المتوقع[8]. وتتصدر لبنان المشهد مسجلة أعلى متوسط لعمر الفرد المتوقع وبأقل تكلفة للفرد، وذلك كما يتضح من المنحنى. وتجدر الإشارة إلى أن وتيرة التنمية في دول مثل المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة كانت مماثلة لتلك الموجودة في الدول المتقدمة مثل اليابان وألمانيا.
على الرغم من ذلك، فإن العلاقة بين الإنفاق والنواتج ليست واضحة، وثمة استثناءات ملحوظة.
وتجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من زيادة إنفاق بعض البلدان على الرعاية الصحية للفرد، يتراجع متوسط العمر المتوقع للفرد فيها مقارنة بتلك البلدان التي تنفق مبالغ مماثلة. فعلى سبيل المثال، تمثل قطر والإمارات العربية المتحدة حالات شاذة مقارنة بدول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تنفقان بسخاء على الرعاية الصحية في حين أن متوسط العمر المتوقع لديهما مماثل لبعض البلدان التي تنفق أقل[9].
وعلى الصعيد العالمي، نرى أن الولايات المتحدة تعد الأولى في الإنفاق بسخاء على الرعاية الصحية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، ويعتبر متوسط العمر المتوقع لديها أقل من العديد من البلدان الأخرى التي تنفق أقل بكثير. وقد يعزى ذلك إلى عدة عوامل التي تشمل أنظمة الرعاية الصحية غير الفعالة، والسكان الذين لديهم حاجة أكبر لتدخلات الرعاية الصحية، وخيارات نمط الحياة مثل التدخين والسمنة.[10] ومن ناحية أخرى، أظهرت أوروبا نتائج مماثلة في الغالب مع مستويات متفاوتة من الإنفاق على الرعاية الصحية. حتى أن المملكة المتحدة خفضت تكاليف نصيب الفرد مع الحفاظ على متوسط العمر المتوقع[11].
وتتمثل أفضل الطرق لتحسين كفاءة الإنفاق على الرعاية الصحية في جعل الرعاية الصحية ميسورة التكلفة وتوفير رعاية فعالة يسهل الحصول عليها.
إزالة حواجز التكلفة
لا شك أن الرعاية الصحية الشاملة قد تسهم في خفض تكاليف الرعاية الصحية. فالرعاية الصحية الشاملة تعني خفض النفقات الإدارية، وتعزيز الرعاية الوقائية، وتحسين النواتج الصحية العامة. وقد أوضحت إحدى الدراسات التي أجراها صندوق الكومنولث أن البلدان التي لديها أنظمة رعاية صحية شاملة دائماً ما تنخفض لديها تكاليف الرعاية الصحية للفرد مقارنة بالولايات المتحدة التي يعيش فيها 40 مليون مواطن بدون خدمات تأمين صحي، ويتعين عليهم تحمل تكاليف العلاج كاملة[12]. وتعد كندا والمملكة المتحدة من الأمثلة على البلدان التي تطبق أنظمة رعاية صحية شاملة ناجحة تتحكم بشكل فعال في تكاليف الرعاية الصحية وتوفر تغطية شاملة لمواطنيها.
وتشير منظمة الصحة العالمية (WHO) إلى أنه ليس ثمة فارق واضح من حيث الإنفاق في مجال الصحة، أو الأولويات، أو التغطية، أو متوسط العمر المتوقع بين الأنظمة الممولة من خلال التأمين الصحي الإلزامي وتلك الممولة من خلال الميزانيات الحكومية[13]. فزيادة الإنفاق على الصحة من خلال أي من مصادر التمويل من شأنه تحسين النواتج الصحية، وتجدر الإشارة إلى أن الإنفاق وحده لا يكفي لضمان التمتع بصحة أفضل. وهذا ما يؤكده التباين الجلي من حيث متوسط العمر المتوقع بين مختلف مستويات نصيب الفرد من الإنفاق على الرعاية الصحية.
توسيع نطاق الحصول على الرعاية الصحية
إن ضمان حصول جميع المجتمعات والأفراد على خدمات صحية مميزة بسهولة ويسر، بغض النظر عن وضعهم الاجتماعي أو الاقتصادي، لا يعد التزاماً أخلاقياً وحسب، بل إنه أمر منطقي من الناحية الاقتصادية أيضاً. فالرعاية الأولية تلبي معظم الاحتياجات الصحية للشخص طوال حياته، وهي أقل تكلفة مقارنة بالرعاية التي تقدم في المستشفيات، كما إنها تسهم في الحد من احتمالية التدخلات الطارئة أو الإقامة في المستشفيات لتلقي العلاج.
ولكن لسوء الحظ، وكما أوضحنا من قبل في إحدى المقالات الصادرة عن شركة عبد اللطيف جميل للرعاية الصحية، لا يستطيع حوالي نصف سكان العالم الحصول على خدمات الرعاية الصحية الأساسية[14]. وتفتقر العديد من بلدان جنوب العالم إلى نظم صحية متطورة، وتتراجع لديها القدرة على الحصول على خدمات الرعاية الصحية، لا سيما في المناطق الريفية. إن الافتقار إلى مرافق الرعاية الصحية، ومحدودية عدد الموظفين المدربين، وضعف البنية التحتية يجعل من الصعب الحصول على الخدمات الصحية الأساسية، مما يؤدي إلى فترات انتظار أطول فضلاً عن ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية.
فعلى سبيل المثال، يوجد في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى حوالي 2.5 طبيب في المتوسط لكل 10.000 شخص، وذلك مقارنة بـ 33.5 في أوروبا. وتعد مرافق صحة الأم في البلدان المنخفضة الدخل، وخاصة في أفريقيا، غير كافية، مما يسهم في ارتفاع معدل الوفيات النفاسية هناك[15].
ولا تقتصر المشكلة على البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. فعلى الرغم من أن البلدان المتقدمة في نصف الكرة الشمالي تتمتع بإمكانية الحصول على خدمات الرعاية الصحية، إلا أن المجتمعات المحرومة لا تزال تواجه عوائق مثل التكلفة، وغياب التعليم، والقيود الجغرافية. فبالنسبة للكثيرين، لا يزال الحصول على الرعاية الصحية أمراً يفتقر إلى الانصاف ويعتمد على الموقع الجغرافي.
وكما هو الحال بالنسبة للإنفاق على الرعاية الصحية، يمثل الحصول على الرعاية مشكلة معقدة. والأمران مرتبطان ارتباطاً وثيقاً. ففي نهاية المطاف، وشريطة إيلاء الأولوية للحصول على الرعاية، وذلك من خلال الحوافز المناسبة والتنسيق الحكومي، فإن أي شيء يقلل من تكاليف الرعاية الصحية يجب أن يكون من شأنه أيضاً تيسير الحصول على الرعاية الصحية. وعندما أجرت الصين اصلاحات كبيرة في نظام الرعاية الصحية لديها، احتل تعزيز قدرة نظام الرعاية الصحية الأولية قمة أولوياتها. وقد قامت الحكومة بإزالة العوائق التي تعرقل مجال الرعاية الصحية من خلال الاستثمار في عيادات القرى الريفية، والمراكز والمحطات الصحية في المدن والمجتمعات الحضرية[16].
وفي منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، كانت الريادة لفيليبس بالنسبة لتأسيس عيادات الرعاية الصحية المرنة والمملوكة للمجتمع والتي تقدم رعاية صحية متكاملة مدعومة بالتقنيات الرقمية وخدمات بناء القدرات، مثل التعليم وتدريب الموظفين. وتشتمل مراكز الحياة المجتمعية أيضاً على وحدات الطاقة الشمسية، والمياه النظيفة، وإضاءة الليد، وحلول إدارة النفايات، وهو ما يساعد في دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للسكان المحليين[17].
تسخير التكنولوجيا
بإمكان التكنولوجيا أن تلعب دوراً مهماً في تحسين تأثير الإنفاق على الرعاية الصحية من خلال جعل تقديم الرعاية أكثر كفاءة وفعالية وبأسعار معقولة. وتتضمن بعض الطرائق الرئيسة التي يمكن من خلالها أن تسهم التكنولوجيا في زيادة فعالية وكفاءة ميزانيات الرعاية الصحية ما يلي:
- 1. السجلات الصحية الإلكترونية: يمكن للسجلات الصحية الإلكترونية أن تسهم في تحسين جودة الرعاية الصحية من خلال توفير سجل شامل للتاريخ الصحي للمريض، والحد من الأخطاء الطبية، وتحسين تنسيق الرعاية المقدمة. وقد تولت هيئة الخدمات الصحية الوطنية بالمملكة المتحدة تنفيذ نظاماً شاملاً للسجلات الصحية الإلكترونية يُعرف باسم NHS Spine ، والذي يُنسب إليه الفضل في تحسين جودة الرعاية وتقليل الأخطاء الطبية[18]. وفي كينيا، أطلقت الحكومة مبادرة تهدف إلى إنشاء نظام مركزي للمعلومات الصحية، والذي يستخدم السجلات الصحية الإلكترونية لغرض تحسين النواتج الصحية وزيادة فعالية الخدمات الصحية.[19]
- التطبيب عن بعد: يتيح التطبيب عن بعد للمرضى تلقي الرعاية الطبية عن بعد، مما يمكن أن يساعد في تقليل تكلفة الرعاية، وتيسير الحصول عليها، وتخفيف العبء على المستشفيات والعيادات. وقد تم اعتماد التطبيب عن بعد سريعاً للتصدي لفيروس كوفيد واستطاع أن يثبت أهميته في توفير الرعاية عن بعد للمرضى في جميع أنحاء العالم[20].
- الأجهزة الطبية وأدوات التشخيص: يمكن للتقدم الذي تم إحرازه في مجال تطوير الأجهزة الطبية وأدوات التشخيص أن يسهم في الحصول على تشخيص أدق وأسرع، وتجنب التحاليل والإجراءات غير الضرورية، والحصول على نواتج صحية أفضل. وتقوم شركة عبد اللطيف جميل للرعاية الصحية وكذا شبكة بترفلاي بتوزيع جهاز الموجات الصوتية Butterfly iQ+ ، في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا والهند لجعل التصوير التشخيصي الطبي في متناول الجميع – وذلك دون الحاجة إلى الاستثمار في أجهزة المسح الضوئي التقليدية بالموجات فوق الصوتية. وبالمثل، من المنتظر أن تخرج شراكة عبد اللطيف جميل للرعاية الصحية مع شركة iSono Health ، و التي يقع مقرها في سان فرانسيسكو، تخرج للعالم أول ماسح ضوئي ثلاثي الأبعاد يعمل بالموجات فوق الصوتية والذكاء الاصطناعي لفحص الثدي وترسله للجنوب العالمي، وهو ما قد يساعد الملايين من النساء في العالم النامي في الحصول على علاج مفيد للسرطان.
تحسين أنظمة الرعاية الصحية
تنفيذ أفضل الممارسات القائمة على الأدلة
تعتبر العديد من العلاجات غير ذات قيمة، أو غير ضرورية، وقد تكون في بعض الأحيان ضارة. وفي دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، يتعرض واحد من كل عشرة مرضى للأذى بسبب العلاجات غير الضرورية، ويولد طفل واحد من بين كل ثلاثة أطفال بعملية قيصرية، في حين تشير المؤشرات الطبية إلى أن معدلات العمليات القيصرية يجب ألا تتجاوز نسبة ال 15%[21]. وتشمل الأمثلة الأخرى للإجراءات الطبية غير الضرورية تصوير وتشخيص آلام أسفل الظهر والصداع وتصوير القلب للمرضى الذين تتراجع لديهم معدلات الخطر.
وثمة أساليب مختلفة يمكن تطبيقها لمعالجة الأمر. ويشمل ذلك الحملات الإعلامية التي تستهدف المرضى والأطباء، وتنفيذ المبادئ التوجيهية السريرية، ومراقبة الرعاية غير الملائمة والإبلاغ عنها، وتقييم فعالية التقنيات الطبية الجديدة، والحوافز المالية. فعلى سبيل المثال، اتخذت ولاية كوينزلاند في أستراليا خطوة لحجب المدفوعات للمستشفيات عن أحداث معينة تعتبر “أحداثًا يجب ألا تحدث مطلقًا”[22]. وتمثل حملة الاختيار بحكمة Choosing Wisely مبادرة عالمية للحد من خدمات الرعاية غير الملائمة من خلال تعزيز الحوار بين المرضى ومقدمي الرعاية الصحية حول مدى ضرورة بعض العلاجات.[23]
تحفيز الرعاية المميزة ذات القيمة
يمكن لنماذج الدفع الخاصة بمقدمي الخدمات تحسين كفاءة الإنفاق على الرعاية الصحية من خلال مواءمة الحوافز، وتحفيز المنافسة، وتشجيع الابتكار. وتشمل الأمثلة الدفع مقابل الأداء (مكافأة مقدمي الخدمات على الجودة والنواتج)، ومنظمات الرعاية المسؤولة (التي تعمل على تنسيق تقديم الرعاية للسكان بدلاً من إعداد فواتير الخدمات الفردية)، والشراكات بين القطاعين العام والخاص (وتعني الاستفادة من موارد القطاع الخاص لزيادة تأثير الإنفاق على الرعاية الصحية).)، والشراء على أساس القيمة (ويعني تعويض مقدمي خدمات الرعاية الصحية على أساس قيمة الخدمات لا حجمها).
تقنين الإقامة في المستشفيات لتلقي العلاج
تمثل رعاية المرضى المقيمين في المستشفيات 28% من الإنفاق الصحي في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، لكن بعض الدراسات أوضحت أنه يمكن تجنب ما يصل إلى 20% من حالات دخول المستشفيات[24][25]. إذ يمكن للحملات الإعلامية الفعالة أن تقنن دخول المستشفيات والسعي للحصول على الرعاية الطارئة. فعلى سبيل المثال، من الممكن خفض حالات قبول سيارات الإسعاف بنسبة تتراوح بين 8% إلى 18% في إنجلترا، وهو ما يترتب عليه توفير ما يصل إلى 238 مليون جنيه إسترليني سنوياً.[26] وهناك أيضا، تبين أن التطبيب عن بعد يقلل من دخول المستشفيات بسبب حالات الطوارئ بنسبة 20% ويحد من الحضور إلى المستشفى بنسبة 15% بالنسبة للمرضى الذين يعانون من حالات مزمنة، مثل مرض السكري، ومرض الانسداد الرئوي المزمن، وقصور القلب[27].
تحسين كفاءة المستشفيات
يمكن أن يؤدي تحسين الإدارة إلى إجراء المزيد من العمليات الجراحية للمرضى الخارجيين. ويرافق ذلك تقصير مدة الإقامة في المستشفيات والحد من الأخطاء الطبية أو العدوى – وهو ما يوفر الوقت والمال ويحقق نواتج أفضل للمرضى. وفي اليابان وكوريا، غالباً ما تستمر إقامة المريض لمدة تصل إلى 15 يوماً أو أكثر. أما في الدنمارك وتركيا والمكسيك، لا تتجاوز فترة إقامة المرضى في المستشفيات خمسة أيام[28]. ولا يعتبر الوقت العامل الأساسي الوحيد هنا، والهدف كذلك ليس المال وحسب. ففي دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تنفق المستشفيات أكثر من 10% من ميزانياتها على تصحيح الأخطاء الطبية التي يمكن تجنبها أو التعامل مع العدوى التي يصاب بها المرضى أثناء إقامتهم[29].
الحد من الهدر
تبسيط عمليات التغطية التأمينية، وإصدار الفواتير، والدفع
تمثل الإدارة حوالي 3% من الإنفاق على الرعاية الصحية، وتتراوح نسبتها “من واحد إلى سبعة في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وليس ثمة علاقة واضحة بين ذلك وأداء النظام الصحي”[30]. والملاحظ أن الأنظمة التي تقوم على طرف واحد يتولى السداد، مثل الاعتماد على التأمين الصحي الاجتماعي أو التمويل من قبل الحكومة، غالباً ما يكون بها تكاليف إدارية أقل مقارنة بتلك التي تعتمد على أكثر من طرف يقوم بالسداد وبها حرية في اختيار شركات التأمين. في الوقت نفسه، فإن تكاليف الإدارة في شركات التأمين الخاص غالباً ما تكون أعلى بكثير من تكاليف الأنظمة العامة.
إن تبسيط عمليات التغطية التأمينية، وإصدار الفواتير، والدفع من خلال تطبيق النظام والمعيارية وسن التشريعات من شأنه الاسهام في الحد من التكاليف وتيسير الحصول على العلاج. فعلى سبيل المثال، تستخدم النرويج نظاماً موحداً للدفع المشترك لرسوم الأطباء، يتم تحديده على أساس الإقليم ويطبق على جميع أطباء القطاع العام بالنسبة لمنطقة معينة وتخصص محدد[31]. ويؤكد صندوق الكومنولث أن التفاوض الجماعي والدفع المعياري مقابل الحصول على الخدمات على المستوى الوطني أو الإقليمي يمكن أن يبسط المعاملات، ويحد من الأخطاء، ويحرر الموارد من أجل تحسين الرعاية المقدمة للمرضى[32].
الحد من الإسراف في الإنفاق على الأدوية
غالبًا ما تكون الأدوية باهظة الثمن، وقد يبالغ الأطباء في وصفها، أو يتم إدارتها بشكل غير صحيح (أو حتى يتم التخلص منها). وكما أوضحنا في مقال سابق، تمثل إساءة استخدام مضادات الميكروبات شكلاً خطيراً من أشكال فرط الرعاية غير الضروري – كما أنها تمثل إحدى أكبر 10 تهديدات للصحة العامة على مستوى العالم كما أوضحت منظمة الصحة العالمية[33]. وعالمياً، تبدأ ما يقرب من 50% من الحالات التي تستدعي العلاج باستخدام المضادات الحيوية بتناول دواء خاطئ يتم وصفه دون تشخيص مناسب[34]. وفي دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تشكل الأدوية ما نسبته 20% من الإنفاق على الرعاية الصحية ولكنها لا تعني قيمة للمرضى دائماً[35].
وتجدر الإشارة إلى أنه يمكن التصدي للإسراف في الإنفاق على الأدوية من خلال العديد من الاستراتيجيات التي تشمل الاختبارات التشخيصية السريعة، وتقديم الحوافز للأطباء لوصف الأدوية التي لا تحمل علامات تجارية، وتوعية المرضى. في بعض البلدان، مثل فرنسا والمجر واليابان، تم استحداث أنظمة لتحديد قيمة الكشف بناءً على الأداء، وذلك لغرض تحفيز الأطباء على وصف الأدوية التي لا تحمل علامات تجارية[36]. حتى أن اليونان تشترط على المستشفيات العامة أن تصل حصتها من وصفات الأدوية التي لا تحمل اسم تجاري إلى 50%.[37]
إن السماح للمرضى بمناقشة مخاوفهم فيما يتعلق بالأدوية قبل البدء في العلاج قد يسهم أيضًا في الحد من الهدر (ويعد التطبيب عن بعد من السبل المثلى لتحقيق هذا الغرض). ويسهم تحسين أنظمة الشراء والتفاوض على أسعار الأدوية في الحد من الهدر. ففي النرويج، على سبيل المثال، نجحت مبادرة تعاون في مجال شراء الأدوية ضمت جميع المستشفيات العامة في التفاوض بنجاح على خصم بلغت نسبته 30.4% في المتوسط على أدوية المستشفيات المشتراة.[38]
التصدي للاحتيال وإساءة الاستخدام والفساد
يبتلع الفساد حوالي 7% من الإنفاق على الرعاية الصحية، مما يكلف العالم ما يقدر بحوالي 500 مليار دولار أمريكي سنوياً[39]. ويرتبط ارتفاع معدلات الفساد بالنواتج الصحية السلبية، ويشمل ذلك ارتفاع معدلات الوفيات بين الرضع والأطفال، وانخفاض متوسط العمر المتوقع، وتراجع معدلات التحصين، وزيادة مقاومة المضادات الحيوية[40]. وقد يتخذ الفساد أشكالاً مختلفة، بما في ذلك السرقة واختلاس الموارد، والتغيب عن العمل، والمدفوعات غير الرسمية، والإمدادات الطبية غير المطابقة للمواصفات. وغالباً ما يؤثر ذلك بشكل غير متناسب على المرضى الأكثر ضعفاً، وخاصة أولئك الذين يعانون من حالات صحية صعبة أو ذوي الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتردي[41]. وتشمل التدابير الفعالة للتصدي للفساد تطبيق المساءلة وإنفاذ القوانين واللوائح، وتعزيز الشفافية، وتنفيذ التدابير الوقائية.
وقد نجحت الولايات المتحدة في التصدي للفساد في مجال الرعاية الصحية من خلال الجهود التي بذلها فريق عمل مكافحة الفساد. فقد ساهمت القدرات التحليلية المحسنة التي يتمتع بها فريق العمل في استرداد ما يتراوح بين 1 إلى 3 مليارات دولار من قيمة عمليات الاحتيال وإساءة استخدام برنامجي Medicare وMedicaid على مدى عشر سنوات[42]. وجاء نجاح جهود مكافحة الفساد في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل بمعدلات متباينة. ففي الهند، كشفت وكالة مكافحة الفساد في ولاية كارناتاكا عن الفساد المستشري على نطاق واسع، ولكن ضعف الدعم السياسي أعاق قدرتها على الوصول إلى الإدانات[43]. وفي أوغندا، أدت جهود مكافحة الفساد إلى تراجع ملحوظ في معدلات الرشوة بين العاملين في مجال الرعاية الصحية، لكن ذلك ترافق مع إضراب مدمر بسبب عدم بذل الجهود الضرورية لرفع الرواتب وتحسين ظروف العمل.[44]
خفض الطلب على الرعاية الصحية
تتمثل إحدى طرائق خفض الإنفاق على الرعاية الصحية في مساعدة الأشخاص على تجنب الإصابة بالمرض في المقام الأول.
فكما أوضحنا سابقاً، يسهم تيسير الحصول على الرعاية الأولية في الحد من احتمالية خوض إجراءات الطوارئ والإقامة في المستشفيات الأكثر تكلفة في وقت لاحق. ولا شك أن الاستثمار في البنية التحتية والخدمات الاجتماعية، بما في ذلك الإسكان والصرف الصحي والنقل والرعاية الاجتماعية واستحقاقات العمال ودعم رعاية الأطفال والتعليم، يلعب دوراً في تحسين الصحة العامة. في هذا الصدد، يكتسب التعليم أهمية خاصة، لأنه يسهم في زيادة الوعي حول النظم الغذائية وأنماط الحياة الصحية، ويشمل ذلك وسائل منع الحمل والصحة الجنسية، وكل ذلك يعني تقليل احتمالات الإصابة بحالات صحية خطيرة ومكلفة. وفي البلدان التي تفتقر إلى الصحة الجنسية وتعتبرها عاراً، يعتبر التعليم والثقة في الرعاية الصحية أموراً بالغة الأهمية، وخاصة بالنسبة للنساء.
نظرة صحية؟
بإمكان الإنفاق على الرعاية الصحية أن يذهب إلى ابعد من ذلك. وهذا من حسن الحظ لأن ميزانيات الرعاية الصحية لا تستطيع القيام بذلك. قد تختلف التركيبة السكانية والاقتصادات، ولكن جميع الدول لديها فرص كبيرة سانحة لتحقيق نواتج أفضل للرعاية الصحية، وذلك من خلال الاستفادة من أفضل الممارسات والحوافز والتنظيم والتكنولوجيا – على أن يترافق ذلك مع الاستثمار في الصحة العامة والبنية التحتية والخدمات الاجتماعية التي يعتمد عليها أكثر من 8 مليارات شخص (والعدد في ازدياد).***
[1] https://apps.who.int/nha/database
[2] https://www.who.int/publications/i/item/9789240041219
[3] https://www.who.int/news/item/20-02-2019-countries-are-spending-more-on-health-but-people-are-still-paying-too-much-out-of-their-own-pockets
[4] https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/universal-health-coverage-(uhc)
[5] https://www.oecd.org/health/health-spending-set-to-outpace-gdp-growth-to-2030.htm
[6] https://www.un.org/en/dayof8billion#:~:text=On%2015%20November%202022%2C%20the,nutrition%2C%20personal%20hygiene%20and%20medicine
[7] https://www.visualcapitalist.com/cp/healthcare-spending-versus-life-expectancy-by-country/
[8] https://www.frontiersin.org/articles/10.3389/fpubh.2020.624962/full
[9] https://www.frontiersin.org/articles/10.3389/fpubh.2020.624962/full
[10] https://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK62584/
[11] https://www.frontiersin.org/articles/10.3389/fpubh.2020.624962/full
[12] https://www.commonwealthfund.org/publications/issue-briefs/2023/jan/us-health-care-global-perspective-2022
[13] https://www.who.int/publications/i/item/9789240041219
[14] https://www.who.int/teams/integrated-health-services/clinical-services-and-systems/primary-care
[15] https://www.who.int/data/gho/data/indicators/indicator-details/GHO/medical-doctors-(per-10-000-population)
[16] https://www.bmj.com/content/365/bmj.l2349
[17] https://www.w forum.org/agenda/2020/01/tackling-healthcare-access-constraints/e
[18] https://digital.nhs.uk/services/spine
[19] https://www.data4sdgs.org/sites/default/files/services_files/Kenya%20Health%20Information%20Systems%20Interoperability%20Framework.pdf
[20] https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC7612439/
[21] https://www.oecd.org/els/health-systems/Tackling-Wasteful-Spending-on-Health-Highlights-revised.pdf
[22] https://jamanetwork.com/journals/jama-health-forum/fullarticle/2798115
[23] https://www.choosingwisely.org/
[24] https://www.oecd.org/els/health-systems/Tackling-Wasteful-Spending-on-Health-Highlights-revised.pdf
[25] https://www.oecd.org/els/health-systems/Tackling-Wasteful-Spending-on-Health-Highlights-revised.pdf
[26] https://www.oecd.org/els/health-systems/Tackling-Wasteful-Spending-on-Health-Highlights-revised.pdf
[27] https://www.health.org.uk/sites/default/files/Reducing-Emergency-Admissions-long-term-conditions-briefing.pdf
[28] https://www.oecd.org/els/health-systems/Tackling-Wasteful-Spending-on-Health-Highlights-revised.pdf
[29] https://www.oecd.org/els/health-systems/Tackling-Wasteful-Spending-on-Health-Highlights-revised.pdf
[30] https://www.oecd.org/els/health-systems/Tackling-Wasteful-Spending-on-Health-Highlights-revised.pdf
[31] https://www.commonwealthfund.org/international-health-policy-center/countries/norway
[32] https://www.commonwealthfund.org/publications/fund-reports/2021/aug/mirror-mirror-2021-reflecting-poorly
[33] https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/antimicrobial-resistance
[34] Drug Resistant Infections: A Threat to Our Economic Future, World Bank, 2017
[35] https://www.oecd.org/els/health-systems/Tackling-Wasteful-Spending-on-Health-Highlights-revised.pdf
[36] https://www.oecd.org/els/health-systems/Tackling-Wasteful-Spending-on-Health-Highlights-revised.pdf
[37] https://www.valuehealthregionalissues.com/article/S2212-1099%2818%2930116-X/pdf
[38] https://www.jhpor.com/article/1312-drug-procurement-cooperation-lis—norwegian-tender-system-to-reduce-cost-of-expensive-medicines
[39] https://ti-health.org/content/the-ignored-pandemic/
[40] ‘Corruption in the health sector: A problem in need of a systems-thinking approach.’ Emily H. Glynn
[41] https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S0277953617300837
[42] https://www.justice.gov/opa/pr/fact-sheet-health-care-fraud-and-abuse-control-program-protects-conusmers-and-taxpayers
[43] https://www.jstor.org/stable/45090768
[44] https://www.dlprog.org/publications/research-papers/islands-of-integrity-reductions-in-bribery-in-uganda-and-south-africa-and-lessons-for-anti-corruption-policy-and-practice
مقالات ذات صلة
للاتصالات الإعلامية، والاستفسارات الصحفية، يرجى التواصل معنا على media@alj.ae، أو الاتصال بنا على رقم 0906 448 4 971+ (توقيت الإمارات العربية المتحدة يسبق توقيت غرينتش بمقدار 4 ساعات)